يبلغ عدد الكرد 35 مليون نسمة ينتشرون بين تركيا والعراق وإيران وسورية، وأقليّات صغيرة في جنوب القوقاز. يدين معظم أبناء المكوّنات الكردية بالإسلام، ويتحدثون اللغة الكردية بلهجات محلية مختلفة ويتميزون بثقافة خاصة بهم، وألبسة تقليدية مميزة، ويحتفلون بأعياد خاصة أهمها عيد النوروز.
تتفاوت درجات اندماج الكرد مع المكوّنات المحلية الأخرى، ففي حين انصهرت الأجيال الثانية من موجات الهجرة القديمة إلى دمشق وحلب وحماة بمجتمعاتها الحضرية، حافظت المكوّنات الكردية على خصوصياتها في أرياف إقليم الجزيرة والأناضول. وعلى الرغم من تنوّع الخصائص الثقافية لمختلف المكونات الكردية إلّا أن شعور الانتماء القومي حاضر لدى معظم أبنائها بالإضافة إلى كونه مصدر فخر واعتزاز يجمع الكرد على اختلاف مشاربهم الفكرية والمجتمعية.
يعتبر الكرد رابع أكبر قومية في المشرق بعد العرب والترك والفرس، وفي حين أقام كل من الترك والفرس دولاً على أجزاء من إمبراطورتيهما السابقة، وتحقّق للعرب قيام دولٍ متعدّدة بحدود اصطناعية رسمتها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى (إلى جانب تفتيت إمكانية الوحدة العربية بزرع كيان إسرائيل)، لم تقم دولة قومية كردية في المنطقة. ويتّسم تاريخ الكرد الحديث بالثورات وبالاضطهاد المضاد لا سيّما في الأرياف، وتطور الحراك الكردي تدريجياً من حركات سياسية تطالب بصيانة حقوق الكرد الثقافية والقومية إلى حركات تحرر قومية انفصالية مع منتصف القرن العشرين. كان الكرد جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي العثماني، وكانوا من خير جنوده والمدافعين عنه، ووقفت فرق منهم مع الخلافة ضد المشروع الكمالي، ولكن وقعوا ضحية المساومات الدولية. كما شكّل المهاجرون الكرد القدامى إلى مدن العراق وسورية جزءاً هاماً من الحراك الثقافي والسياسي والديني فيها. ولقد شغر أعيان الكرد مواقع قيادية في الحكومات المتعاقبة على الدولتين حتى وصول حزب البعث إلى سدّة الحكم والذي أقصاهم إمّا لانتماءاتهم السياسية والطائفية، أو لانتمائهم القومي كما حصل في شمال العراق وإقليم الجزيرة في سورية.
بزغ نجم الكرد على المشهد الدولي في بداية القرن الحادي والعشرين بعد عقود من التجاهل، وذلك لدورهم المساند في التحالف الدولي أبان غزو العراق والإطاحة بنظام صدام حسين. ولقد ساهمت فاعليتهم في مقاومة وقتال تنظيم داعش في تشجيع الغرب على تسليح وتدريب فرق من قواتهم رغم اعتراض دول المشرق وحكوماتها على ذلك. وفي ظل اعتماد المجتمع الدولي على الكرد في محاربة داعش نشأ لأول مرّة منذ سقوط الخلافة العثمانية مناخ دولي مساند لاستقلال الكرد الكامل عن العراق والجزئي عن سورية. ترسم هذه المدونة أهم عناصر المشهد الكردي السياسي والحركي بهدف التعّرف عليهم قبل عرض عدد من الملفات التخصصية في مدونات لاحقة.
الجغرافيا
يتوّزع وجود الكرد في أربع دول في المشرق كالتالي:
تركيا
يرتكز الوجود الكردي في 19 ولاية من أصل 90 ولاية تركية في شرق وجنوب شرق الأناضول ويبلغ عددهم 15 مليون نسمة، أي ما يقارب نصف وجودهم في دول المشرق الأربعة. ولقد واجهت الحكومات التركية ذات التوجه القومي الحركات الانفصالية الكردية بما تمتلكه الدولة من قوات منظمة بما في ذلك الجيش، ووصلت ذروة النزاع بعد انقلاب كنان ايفرن عام 1980 حين تمّ حظر اللغة الكردية في المنشآت العامة والخاصة. وعلى الرغم من هجرة الكرد بأعداد كبيرة إلى كل من إسطنبول وازمير وأنقرة (35% من الكتلة البشرية الكردية)، لا يزال يحتفظ أبناؤهم بهوياتهم المحلية وتشكيلاتهم الطبقية ويسكنون أحياء ذات غالبية كردية بدرجات اندماج اجتماعي متفاوت مع المجتمعات المحلية الأخرى. أما على الصعيد القومي فينقسم كرد تركيا إلى شرائح طبقية ومناطقية وطائفية متعددة، وتقدّر الدراسات أن الغالبية العظمى من المسلمين.
العراق
يرتكز الوجود الكردي شمال البلاد في ثلاث محافظات وهي: محافظة دهوك، ومحافظة أربيل، ومحافظة السليمانية وأجزاء من محافظات نينوى، وكركوك، وديالي. وتشترك هذه المحافظات في حدودها مع إيران والعراق وسورية مما يعطيها مركزية في المشروع القومي الكردي لقدرتها على ربط أطراف كردستان العراق وإيران وسورية وتركيا. يبلغ عدد الكرد في العراق ستة ملايين نسمة وأهم مدنهم إربيل والسليمانية ودهوك، فيما تحتل كركوك مكانة معنوية في الوجدان الكردي على خلفية الصراع الاثني والعسكري والاقتصادي مع ترك وعرب المدينة عليها. كما أن المناطق الغربية من كردستان العراق توالي القيادة التقليدية لعائلة البرزاني، فإن المناطق الشرقية ‑وبأعداد أقل‑ توالي الطالباني ذي النزعة اليسارية والذي حافظ على علاقة متميزة مع إيران.
أعلن الكرد في عام 1991 عن إقامة حكم ذاتي في "إقليم كردستان العراق"، مستفيدين من الحظر الجوي الذي فرضته قوات التحالف على شمال العراق عقب حرب الخليج الثانية والخوف من وقوع كارثة إنسانية جديدة كعملية الأنفال ما بين عامي 1987 و1989 التي نكّلت فيها القوات العراقية بالكرد. لم ينل الإقليم اعتراف بغداد إلّا بعد 14 عاماً عقب الغزو الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين. يتمتّع إقليم كردستان العراق بسيادة واسعة وفق ما يمنحه الدستور العراقي، وتتمتع حكومته بعلاقات دبلوماسية وتجارية خارجية مستقلة عن الحكومة المركزية العراقية. ولقد صوّت سكّان الإقليم لصالح استقلاله في استفتاء غير ملزم دعا له مسعود برزاني في الـ 25 من أيلول عام 2017.
إيران
يبلغ عدد الكرد في إيران ثمانية ملايين نسمة ويرتكز وجودهم شمال غربي البلاد في ثلاث محافظات وهي: محافظة كردستان، ومحافظة كرمنشاه، ومحافظة أذربيجان الغربية، وتشترك بحدود مع أجزاء من العراق وتركيا. لا يحظى الكرد في إيران باهتمام دولي على عكس المكونات الكردية الأخرى في العراق وسورية وتركيا، ويعزو الخبراء والمراقبون أسباب ضعف هذا الاهتمام إلى التعتيم الإعلامي الذي تمارسه السلطات الإيرانية بحق الكرد في البلاد. ولقد أقام الكرد أول جمهورية لهم في إيران بدعم سوفيتي في الـ 22 من كانون الثاني 1946، وسميّت الدولة بجمهورية مهاباد الشعبية الديمقراطية. شملت مساحة الجمهورية ثلث مساحة كردستان الشرقية ولكنها انهارت بعد 11 أشهر إثر انسحاب السوفييت ودخول الجيش الإيراني.
سورية
يتميز الوجود الكردي في سورية بثلاثة خصائص. الأولى أن نسبتهم إلى مجموع السكان يعتقد أنها أصغر نسبة مقارنة بالدول الثلاثة الأخرى، والثانية أنهم موزعون في مناطق كثيرة، خلافاً للوضع في العراق وتركيا وإيران.ومن ناحية عملية، ينقسم الكرد في سورية إلى قسمين: أولئك الذين عاشوا طويلاً في المدن والبلدات الداخلية واندمجوا، وأولئك في الشمال السوري الذين عانوا الواقع المتقلّب. وفي حين تحدّر عدد من النخبة المثقفة للكرد من الحواضر السورية، إلا أن عمود الحراك الشعبي الكردي والمنظمات المسلحة هو من كرد الشمال حصراً مع علاقات عابرة للحدود مع كرد تركيا والعراق. الثالثة، أنّ كرد سورية لم ينخرطوا في مواجهات عسكرية دامية ومفتوحة مع قوّات الجيش السوري.
ويتركز الوجود الكردي في سورية في الأجزاء الشمالية من محافظات الحسكة، والرقة، وحلب، أو على طول ما يسمّى خط الحديد، ويبلغ عددهم مليوني نسمة وفق أحدث التقديرات، وإن كان هذا العدد لا يعني كثيراً ما لم تعرف نسبة كرد الشمال، حيث أن كرد الداخل السوري ‑بأحسن الأحوال‑ يتعاطفون مع باقي الكرد ولكنهم غير مستعدين للانضواء تحت البرامج السياسية العسكرية لكرد الشمال. ولا تتمتع مناطق وجودهم في الشمال السوري باتّصال جغرافي ممتد على خلاف مواطنهم في البلاد المجاورة (انظر الخريطة أعلاه)، بل تشترك في معظمها مع مكوّنات قومية أخرى كالعرب والتركمان والآشوريين. وإذ يتفق عدد من الباحثين على وجود الكرد في شمال غرب حوض الفرات منذ الحقبة الأيّوبية، فإن وجودهم شمال شرقي الحوض متقطّع حيث شكّلت منطقة الجزيرة منطقة هجرات موسمية للقبائل العربية والكردية والتركمانية على حد سواء، وهذا ما تؤكده نشأة المدن حديثاً بعد ترسيم الحدود مع تركيا.
بعد الثورة السورية في 2011 أصبح حزب الاتحاد الديموقراطي القوة الكردية الوحيدة التي لها قدرة على توجيه الأحداث واحتكار التكلّم باسم الكرد. وقام الحزب في تشرين الثاني 2013 بالإعلان عن إدارة ذاتية شمال سورية إثر انسحاب قوات النظام منها، ولقد ضمّت الإدارة بدايةً ثلاثة كانتونات هي كانتون الجزيرة، وكانتون كوباني، وكانتون عفرين. وضم كانتون الجزيرة الأراضي الشمالية المحاذية للحدود السورية التركية من مدينة المالكية شرقاً مروراً بالقامشلي وعمودا والدرباسية انتهاءً برأس العين غرباً، وبعمق 30 كم شرقاً و60 كم غرباً. أمّا كانتون عفرين فهو قضاء تابع لمحافظة حلب ويشكّل جيباً معزولاً للكرد حيث يبعد عن كوباني/عين العرب 150 كم عبر مناطق غالبية سكّانها من العرب. أما كانتون عين العرب/كوباني فإنه يتوسط سورية قريباً من منفذ نهر الفرات إلى سورية وتفصله مسافة 180 كم عن مدينة رأس العين أول مدن كانتون الجزيرة في الشرق. وتعتبر مدينة القامشلي المركز الأهم للكرد في شرق سورية من حيث عدد السكّان ولقربها من كرد العراق شرقاً وكرد تركيا شمالاً.
أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي عن إنشاء "فدرالية شمال سوريا" بثلاثة أقاليم ضمّت إليها المناطق التي طرد منها تنظيم داعش حديثاً. ولم يكن ذلك ممكناً من الناحية اللوجستية لولا المعدّات الأمريكية المتقدّمة التي تمّ تزويده بها (تحت مبرر قتال داعش). وناهيك عن أن المنطقة الجديدة التي سيطرت عليها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي فيها أكثرية غير كردية، تحوي منطقة الجزيرة على موارد اقتصادية زراعية ونفطية كانت تمثل دعامة للاقتصاد السوري. ومن الجدير بالذكر أن حزب الاتحاد الديمقراطي له علاقة وثيقة بالـ PKK، ورغم عدم شعبيته بين الكرد أنفسهم وقيامه بقمع المخالفين له وترحيلهم، فإنه فرض نفسه على المشهد السياسي الكردي بقوة السلاح وبالتحالف المتعدد مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران.
السياقات التاريخية
مثّلت باكورة القرن العشرين زمن الفكرة القومية، وفي هذه الفترة تشكلت الحدود الرسمية لكل من تركيا والعراق وسورية عقب مرحلة الاختراق الاستعماري الأوربي. وكان الهمّ الوطني هو إنشاء مؤسسات حكمٍ مركزية قوية بناءً على الرابطة الوطنية القومية للأكثرية كحاملٍ للهوية السياسية للبلاد، الأمر الذي يستدعي صهر جميع المكونّات المحلية الاثنية والدينية بقالب حداثي موّحد. وحيث كان الكرد أقليةً في كلٍ من الدول الأربعة (تركيا، إيران، العراق، سورية)، اعتُبر إعلاء هويتهم القومية مشروعاً مناهضاً للمشروع الوطني. وهكذا دخلت علاقة الكرد والدول القومية المستقلة حديثاً في حلقة مفرغة. فمن ناحية المجموعات الكردية ترى أنها تطالب بحقوق مشروعة لوجود تاريخي طويل، ومن ناحية الدول القومية وجدت في مطالب الكرد تهديداً لوحدة الدولة وتماسكها. وبرّرت الحكومات القومية لنفسها التضييق الثقافي على الكرد، مما زاد في حنق الكرد وشعورهم بالمظلومية، فلا هم عادوا يتمتعون باللامركزية التي خوّلها النظام العثماني، ولا هم حصلوا على دولة بحسب التقسيم الاستعماري. ومع كل ردة فعلٍ أو عصيانٍ أو ثورة كردية، يأتي ردّ الدولة قمعاً بالقوة، مما يفاقم الإشكال ويعزّز التنافر. وازداد الأمر سوءاً بعد وقوع كل من سورية والعراق تحت حكم عسكري استبدادي.
لا يمكن فهم الأزمة الكردية في الدول الأربعة بلا استذكار طبيعة تشكّل هذه الدول. ففي إيران انقضت الفترة الاستعمارية ولم تؤثر على وحدة البلد، وفي العراق وسورية انقضت الفترة الاستعمارية بتشكيل حدودٍ جديدة طالما كانت تخوماً مفتوحة ساحت فيها القبائل واختلطت قومياتٌ مختلفة من العرب والكرد والتركمان إلى جانب غيرهم. وفي ظل هاجس زرع الكيان الإسرائيلي، وخاصة بالنسبة لسورية التي شهدت أعلى درجات التمزيق والاقتطاع، بدت فكرة التعريب بديهية وخاصة بعدما اعتُبر النظام الملّي العثماني أمراً عتيقاً لا يصلح للدول التي تريد التقدّم. القصة التركية مختلفة حيث أنها هي المركز السياسي للخلافة المنهارة حيث تشكّل شعور قومي حادّ. عزز هذا الشعور اتفاق سيفر سنة 1920 (التي وعدت الأرمن استقلالاً ووعدت الكرد حكماً ذاتياً)، في حين يرى الكرد أن العدول عنها وعقد معاهدة لوزان سنة 1923 نكوصاً دولياً عن وعود مقطوعة. أما من وجهة النظر التركية (الدولة الحداثية تحت قيادة أتاتورك) اعتبر اتفاق سيفر محاولة لتحطيم الدولة التركية بالكامل شبيهاً بما حصل في سايكس بيكو، حيث سيحصل بموجبها تقاسم النفوذ في تركيا بين مناطق لبريطانية وفرنسا واليونان وأرمينيا، وتقلّص تركيا إلى الهضبة الأناضولية المحيطة بأنقرة. وهذا مما عزّز رغبة الانغلاق القومي ولا سيما بعد تبنّي المنظومة الجاكوبية الفرنسية في الحكم.
ومما زاد في تعقيد الأزمة الكردية في البدان العربية أن الأحزاب الكردية اصطفّت اصطفافين ضاعفا أزمتهم السياسية. الاصطفاف الأول هو ضد توجهات الوحدة العربية بما في ذلك التنسيق مع إسرائيل، مما أثّر في أحقية المطالب الكردية، والاصطفاف الآخر هو في اللعب على التناقضات بين الدول المشرقية الأربع، تركيا وإيران والعراق وسورية، فأصبحت الأحزاب الكردية جزءاً من صدامٍ بينيّ آخر.
يبقى من الضروري التنبيه إلى ثلاثة أمور:
- الأول أن المطالب الكردية في أولها كانت في أغلبها مطالب ثقافية، وتمّت مراعاتها أو تجاهلها أو الالتفاف عليها.
- الثاني، هو أن الكرد أنفسهم وقعوا ضحية رهانات الأحزاب الكردية الكثيرة جداً والمتنازعة.
- الثالث غياب النزاع الإثني بين الكرد وأكثريات معظم الدول التي يعيشون فيها.
تمثّل حالة الكرد في سورية الحالة الأكثر طراوة، حيث أنّ غياب النزاع الإثني مقترن مع التوزع الكردي المتناثر في جميع بقاع البلاد. ويليها العراق حيث هناك تركّز للكرد في مناطق واسعة، إضافة إلى أن نسبتهم هي أكبر نسبة مقارنة بالدول الثلاث الأخرى. ورغم غياب النزاع التاريخي الإثني، تصاعد التنافس في السنوات الأخيرة بسبب الخلاف على بسط السيادة على مدن فيها خليط كردي تركماني عربي.. أما في إيران، فإن لهيب الثورة والعمق الشيعي الممتزج فارسياً حال دون الفرص العملية للحراك الكردي. أما في تركيا فتكمن المفارقة الكبرى في أن الأحزاب المتطرّفة (والتي تتبنّى العمليات التخريبية في المناطق المدنية) هي التي سحبت السجادة من تحت الحراك السياسي الكردي الذي مشى في مسيرة انفراج تاريخية منذ قدوم حزب العدالة والتنمية وفتحه الباب للتطبيع التدريجي الجادّ للقضية الكردية.
والخلاصة، تتسّم علاقة الحركات السياسية الكردية مع سلطات دول المشرق بالعداء المتبادل حيث اقترنت الأولى مع تهديد المصالح الوطنية والأخيرة مع القمع والظلم والتهميش، ولكن تخلّل تاريخ هذه العلاقات حقب التطبيع الاضطراري أحياناً أو الصفقات مع أحد الأنظمة ضد أعدائها الاقليمين المجاورين. ويقدم الجدول الزمني التالي أبرز المحطات المفصلية في تاريخ الكرد الحديث:
الأحزاب والجماعات الكردية
تموج دول المشرق بالعديد من التشكيلات السياسية الكردية، منها العلماني والقومي واليساري والإسلامي، ولقد أوجد تعدد هذه الأحزاب واختلافها الأيدلوجي، وحوادث الاقتتال المتكررة بينها، خصومةً وتنافساً سياسياً حال دون اتحادها وتبنّيها مشروعاً قومياً واحداً. ويمكن حصر أسباب الصراع الكردي بالتالية:
- اختلاف مناهج الأحزاب السياسية الكردية: قد تتفق الأحزاب الكردية في موقفها من السلطة المركزية ومصدر شرعيتها، ولكنّها تختلف في هدفها النهائي، وتحديد وسائل النضال المشروعة، وتعريف الهوية الكردية. فقد تسعى بعض الأحزاب إلى الاستقلال الكامل عن دول المشرق في حين قد ترضى بعض الأحزاب الأخرى بدرجة لامركزية سياسية وإدارية عالية، وقد تتبنى بعض الحركات السياسية الكردية العمل المسلّح ضد السلطات المحلية في حين تلتزم الحركات الأخرى بالعمل المدني والمقاومة السلمية وحسب. ولكن يبقى الاختلاف الأيديولوجي أهم أوجه الخلاف إذ أنه يحدد وجهة الكرد وقبلتهم ويعرّف حدود علاقتهم مع بقية المكوّنات القومية في المنطقة.
- كثرة الانشقاقات وضعف البنية الحزبية: شهدت معظم الأحزاب الكردية السياسية انشقاقات داخلية نتج عنها أحزاب جديدة بعضها يحمل نفس الاسم ودون اختلاف جوهري يستدعي الانفصال. ولقد درجت عادة اللجوء إلى الانشقاق عند نشوب أي خلاف تنظيمي سواءً عند استحقاق انتخابي داخلي، أو عند حدث مفصلي في التعامل مع السلطة أو بقية المكوّنات الكردية. وتدل هذه الظاهرة على ضعف البنية الحزبية وتغلغل الشخصنة في المراكز القيادية، وهذا ما تعكسه ندرة تداول المناصب العليا بين منتسبي الحزب الواحد إذ قد تمتد ولاية القيادي مند نشأة الحزب حتى مماته. كما تنعكس هذه الظاهرة سلباً على العلاقات البينية بين الأحزاب الكردية إذ ترث خلافات قادتها الشخصية مما يضيف المزيد من العوائق أمام توحيد الموقف ناهيك عن المشروع الجامع.
- صراع الزعامات التاريخية والنخبة الفكرية الجديدة: تصدرّت القيادات القبلية والدينية المشهد الفكري والاجتماعي الكردي منذ بداية القرن الماضي إلى منتصف السبعينيات عندما أسس كل من الطلباني حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في العراق، وعبد الله أوجلان حزب العمّال الكردستاني في تركيا. ويعبّر تأسيس هذين الحزبين بالإضافة إلى أحزاب أخرى تلتها عن قطيعة مع القيادات التقليدية التي تستمد شرعيتها إمّا من مكانتها الاجتماعية والجهوية أو الدينية، لينشأ بذلك محور صراع جديد بين النخبة التاريخية والنخب الفكرية الجديدة، اليسارية على وجه الخصوص.