شهدت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وسورية تطوراً ملحوظاً بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، واتّسقت هذه العلاقة حتى انطلاقة الربيع العربي بالصداقة تنفيذاً لسياسة تصفير المشاكل مع الجيران. وفي حين أبدت أنقرة مرونةً مع النظام في بداية الثورة، إلا أنه كان من البديهي أن تنتهز الفرصة التي قدمتها الأزمة السياسة السورية في تعزيز موقعها الجديد في المنطقة.ولقد شهدت طريقة تعامل الحكومة التركية مع الثورة الليبية نسقاً شبيهاً، حيث تلكأت في إظهار دعمها للثوار قبل أن تسرع في تقديم الدعم لهم سواءً من خلال استضافة معارضي القذافي أو من خلال إيصال المساعدات الإنسانية للشعب الليبي، ويظهر نهج الخارجية التركية في التفاعل مع ثورات الربيع العربي درجة عالية من الواقعية السياسية فيما يحقق أهدافها الاستراتيجية ومما يفسر بدوره أيضاً التراجع الأخير في سياسة مواجهة الخصوم الدوليين والإقليميين وعلى رأسهم روسيا وإيران.
فيما يلي عرض لثوابت الخارجية التركية وطرق تأقلمها مع الظروف الدولية والاقليمية، يليها تطور الأزمة السياسية والعسكرية مع نظام الأسد وأخيراً محاكاة لأهم سيناريوهات دخول الجيش التركي في شمال سورية.
السياسة الخارجية التركية
تحتل تركيا موقعاً جيوسياسياً مهماً يؤهلها للعب دور أكبر من مجرد وسيط أو وكيل في المنطقة، ولكن يدرك الساسة الأتراك عجزهم عن التحول إلى قوة دولية كبرى حالياً، وذلك يعود لعدّة أسباب أهمها:
- وجود تيارات متصارعة ضمن مؤسسات الدولة مما يعطل من سرعة اتخاذ القرارات الحاسمة وتنفيذها.
- اعتمادها على مصادر طاقة خارجية مما يسهل ضربها اقتصادياً.
- استمرار القلاقل الداخلية التي تهدر طاقات الدولة وتشّرعن في التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد.
ولذا تعتمد أنقرة إلى بناء شراكات إقليمية تمكنّها لحين من تفويض جزء من العبء الواقع عليها في قيادة المنطقة، فيما تعمل على تحرير كمونها الذي قد يؤهلها للعودة إلى مقدمة المسرح الدولي مستقبلاً. ولقد عبّر الدكتور أحمد داوود أوغلو عن الجزء الأخير من هذه الرؤية في كتابه "العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية" والذي يدعو فيه لإخراج تركيا من دورها الهامشي أثناء الحرب الباردة ونقلها إلى بلد محوري ومؤثر دولياً. وينطلق داوود أوغلو في رؤيته من مبدأ أهمية استثمار بعد تركيا الاستراتيجي في المشرق لتأكيد دورها القيادي فيه بما يعزز دورها الدولي، معتبراً أن تركيا تمثل الوريث التاريخي لآخر كيان جامع في المنطقة مما يؤهلهاللإحاطة بالمنطقة وتجاوز انقساماتها الأيديولوجية والعرقية والعقدية، مع عدم إغفال أي فاعل داخل التوازنات الدولية والإقليمية.
قدّم الربيع العربي فرصة سانحة لتركيا من أجل تحقيق هذه الرؤية، وإذ لا يوجد شك في تبني العدالة والتنمية مواقف أخلاقية ومبدئية في دعم طموح الشعوب العربية إلّا أن ذلك لا ينفي بالضرورة تعارضها مع تحقيق مصالح تركيا كما يراها كثير من الساسة الحزب، والجدير بالذكر في هذا الصدد بأن موقف الحكومة التركية لم يتناقض مع مواقف الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة. وعملاً بهذه الرؤية سعت أنقرة إلى إقامة حلف مع الدوحة والقاهرة للارتكاز عليه في إعادة بناء النظام الإقليمي الجديد، إلّا أن موجة الثورات المضادة التي عصفت ببلاد الربيع العربي والاستقطاب الإقليمي الحاد الذي شهدته المنطقة أدّى في المحصلة إلى وقوع تركيا في عزلة دولية وصلت قمتها في الخامس عشر من تموز ومحاولة الانقلاب الفاشلة. أدّت الأحداث الأخيرة إلى تبني الحكومة التركية مجموعة من الإجراءات التكتيكية الجديدة تبدو في مجملها غير متسقة مع نهجها الأول في دعم الربيع العربي إلّا أنها لم تخرج عن الإطار الأوسع للسياسة الخارجية التركية وما توصف به من واقعية في التعامل مع المجتمع الدولي.
ومن أجل تفسير أداء السياسة الخارجية التركية لا بد من الوقوف يسيراً على الظروف التي شكّلت وعي الساسة الأتراك، فلقد أنشئت الدولة التركية الحديثة على أطلال إمبراطورية عكفت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى على تفكيكها، ولم تحصل على اعترافها إلّا بعد حرب انتصرت بفعل سياسي ومجموعة من المعاهدات الدولية. وعلى الرغم من القيود التي فرضتها معاهدات باريس ولوزان على أنقرة، فلقد آثرت الوقوف إلى جانب لندن وواشنطن أثناء الحرب العالمية الثانية، كما أنها انضمت إلى حلف الشمال الأطلسي في عام 1952 وذلك لمواجهة المخاوف المشتركة مع الولايات المتحدة من التوسع السوفيتي في دول القوقاز.
يسود إيمان لدى الساسة الأتراك أن أمان واستقرار تركيا يعتمد بشكل رئيس على حسن علاقة البلاد بالقوى الكبرى، فاللبيراليون من جهة يؤمنون بضرورة استمرار سياسات التحديث والتغريب، فيما يسعى الإسلاميون من جهة أخرى للتخلص من شبح الانقلابات. وبخلاف ما نادى إليه أربكان من ضرورة التصدي للغرب قام تلميذه أردوغان بصيانة علاقة بلاده معها كما أنه اتّكأ عليها بشكل كبير في الحصول على الدعم الدولي اللازم لاستقرار حكوماته المتعاقبة. ولقد عمد حزب العدالة والتنمية إلى عدم الاصطدام بواشنطن، واحدى تجليات هذه السياسة حرصه على عدم التحرك في سورية دون وجود غطاء دولي وأمريكي، وبمسايرة مخرجات المسار السياسي في سورية رغم تضاربها مع مصالح الحزب الاستراتيجية في المنطقة.
ويجدر بالذكر في هذا السياق أن حزب العدالة والتنمية لا يحتكر بالضرورة رسم السياسة الخارجية التركية، حيث يتوجب عليه التعامل مع التوجهات الكمالية في السلك الدبلوماسي. وإذ يصعب وصف علاقتهما بالتصادمية حيث يلتقيا مثلاً على ضرورة الحفاظ على حسن العلاقات الدبلوماسية مع الغرب، إلّا أنه من غير الدقيق وصفها بالمتصالحة كذلك. فنظرة سواد السلك الدبلوماسي اتجاه الربيع العربي متضاربة مع رؤية الحكومة التي تجد فيه فرصةً للاستثمار فيه. لذا من السليم الخلوص إلى وجود معوّقات أمام الحكومة في تنفيذ كامل رؤاها وخطاها على صعيد السياسة الخارجية.
ويمكن حصر ثوابت السياسة الخارجية التركية بعدّة نقاط كالتالي:
- إخراج تركيا من دورها الهامشي أثناء الحرب الباردة ونقلها إلى بلد محوري ومؤثر دوليًا مستفيدة من موقعها الجيوسياسي المميز.
- صيانة العلاقات الاستراتيجية التي تربط تركيا بالغرب من خلال الحفاظ على دورها في حلف الشمال الأطلسي.
- بناء شراكات استراتيجية مع الدول التي تشترك معها في مواجهة التنظيمات الانفصالية.
- بناء علاقات متينة مع الدول المنتجة للطاقة وتعدد مصادر النفط والغاز.
- البحث عن أسواق جديدة للسلع التركية والحفاظ على سلام وأمن جيرانها الإقليمين من أجل تحسين شروط تجارتها الخارجية.
قد نتسرع في الحكم على دخول الجيش التركي الأخير في سورية وتقييمه كتحول في السياسة الخارجية للبلاد، وإذ أنه وبحسب بعض المعلومات الواردة من واشنطن قد فاجأ البنتاغون، إلّا أنه لا يتعارض حقيقة مع قواعد اللعب التي حددها السقف الأمريكي. وإذا ما أردنا أن ننظر إلى المشهد السياسي الإقليمي بانورامياً فإن التغير الحقيقي قد أصاب السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تبنت حزم من القرارات تخالف أسس تحالفاتها في المنطقة، فكان أبرز نتائج هذا التحول توغل روسيا في المشرق على حساب ما يبدو انحساراً أمريكياً فيه.
تأزم المشهد السياسي بين تركيا ونظام الأسد
لم تسرع تركيا في ابداء موقف حاسم من النظام مع بداية الثورة، بل بادرت بالقيام بعدّة زيارات بهدف أقناع بشار الأسد بالاستجابة لمطالب الإصلاح، إلّا أن إصرار النظام على اتّباع النهج الأمني في التعامل مع المظاهرات أدّى إلى تصعيد مطالب الثوار وتأزم المشهد السياسي في البلاد. وردّاً على سلوك النظام دعت تركيا بالتزامن مع القوى الدولية والإقليمية الأخرى لتنحي الأسد نزولاً عند رغبة الشعب، وتأزمت تباعاً علاقة البلدين حتى حادثة اسقاط المقاتلة التركية فوق المياه الإقليمية التي اعتبرتها أنقرة بمثابة إعلان حرب عليها. فيما يلي أهم الأحداث السياسية بين البلدين بعد بداية الثورة.
- زيارة داود أوغلو الأخيرة لدمشق: قام وزير الخارجية التركي في التاسع من آب بآخر زيارة له لدمشق ومعه رسالة "قوية" أكدّت ضيق ذرع أنقرة بوحشية حكومة بشار الأسد وتلاها إعلان بتعليق لعلاقات التجارية بين البلدين، وكافة الاتفاقات الأخرى.
- هجوم على حافلة حجاج أتراك: أطلق عدد من الجنود السوريين في 21 تشرين الثاني عام 2011 النار على قافلة حجاج أتراك عند نقطة تفتيش قرب حمص، وأسفرت الحادثة عن جرح شخصين وأحد سائقي الباصات.
- استدعاء السفير السوري في تركيا: تم استدعاء السفير السوري الى تركيا في 9 نيسان 2012 بعد أن أطلقت قوات النظام النار على مدنيين في الطرف التركي.
- بدء التعاون الأمريكي التركي: شرعت تركيا في أغسطس 2012 لعقد عدد من اجتماعات رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة لإيجاد بدائل سياسية للأسد.
- دعوة لإقامة منطقة عازلة في سورية: دعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السابع عشر من شباط 2016 إلى إقامة منطقة عازلة في شمال سورية فيما قوبلت هذه الدعوة بالرفض من قبل حلف الشمال الأطلسي والولايات المتحدة،
تأزم المشهد العسكري بين تركيا ونظام الأسد
لم تشهد طيلة الأعوام الست الأولى للثورة السورية صداماً عسكرياً بين النظام وتركيا، إلّا أنها لم تخلو من تحرش الأول ضد المدن الحدودية التركية، كما أنها دعمت عدد من المنظمات الإرهابية التركية التي نشطت في جنوب البلاد، وفي المقابل نشطت تركيا في تقديم الدعم اللوجستي لقوى المقاومة الوطنية في حربها ضد النظام، كما اتهمتها دمشق بالتدبير لعدد من التفجيرات التي هزت العاصمة ومدن الساحل. فيما يلي أهم الأحداث العسكرية بين البلدين بعد بداية الثورة:
- 2011 واستضافة مؤتمرات المعارضة السورية: لم يشهد العام الأول للثورة تصعيداً عسكرياً بين البلدين، باستثناء اتهامات دمشق لأنقرة بانطلاق أعمال عسكرية ضد قوات النظام من الأراضي التركية، في المقابل عرف المشهد السياسي نشاطاً تركياً ملحوظاً كان أبرزه استضافة مؤتمر انطاليا في الثاني من حزيران، ومؤتمر الإنقاذ الوطني السوري في السادس عشر من تموز، وارهاصات تشكل المجلس الوطني فيما بعد.
- حادثة طائرة فانتوم الحربية في حزيران عام 2012: قام الدفاع الجوي السوري بإسقاط طائرة فانتوم حربية فجاء الرد على لسان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردوغان الذي أعلن عن تغير قواعد الاشتباك مع قوات الأسد.
- اشتباكات الحدود في تشرين الاول 2012: سقط عدد من صواريخ هاون على الاراضي التركية في الثالث من تشرين الاول مما أدّى الى مقتل خمسة مدنين في مدينة أقجة وردّ الجيش التركي بقصف مواقع جيش النظام على طول بجموع 87 مرة خلفت مقتل 12 جندي سوري وتدمير عدد من آليات النظام. واستمرت تحرش قوات الأسد بمدن وقرى الشريط الحدودي طيلة شتاء عام 2013.
- تفجيرات الريحانية: انفجرت سيارتين مفخختين في 11 مايو 2013 في بلدة الريحانية، وقتل على أثرها 43 مدنياً فيما أصيب 140 اخرون في الهجوم. ولقد اتهمت الحكومة التركية دمشق بالتدبير للهجوم ودعم تحرير لواء الاسكندرون في العملية الإرهابية.
- الغارات الجوية في اب 2013: قام طيران النظام السوري في الثلاثين آب بقصف مخيمات اللاجئين على الحدود السورية التركية مما أدّى الى استشهاد خمسة مدنيين سوريين، وقد أشارت تقارير النشطاء السوريين إلى احتمالية استخدام غاز الكلور في الهجوم حيث ظهرت مشاكل في التنفس عند عدد من المصابين.
- حادثة المروحية في 2013: أسقطت طائرات تركية في السادس عشر من حزيران مروحية سورية على الحدود السورية التركية ووفقاً لتصريحات الرسمية التركية قامت المقاتلات التركية بإسقاط المروحية بعد دخولها المجال الجوي التركي وعدم امتثالها للتحذير التركي.
- إسقاط مقاتلة سورية في اذار عام 2014: أسقطت طائرة حربية تركية طائرة سورية طراز ميغ 23 في الثالث والعشرين من آذار بعد انتهاكها المجال الجوي التركي.
- نقل ضريح سليمان شاه: قامت قوات الجيش التركي في ليلة 21-22 شباط بالتوغل في سورية من خلال كوباني لاجلاء 38 عسكري في الحامية العسكرية التركية التي تحرس ضريج سليمان شاه ونقل رفاته لموقع مختلف، وقد نددت وزارة الخارجية السورية العملية معتبرته اعتداءً على سيادة البلاد.
- إسقاط طائرة بدون طيار سورية في ايار عام 2015: قامت مقاتلة تركية من نوع اف16 في السادس عشر من أيار بإسقاط طائرة بدون طيار إيرانية الصنع باسم مهاجر بعد أن انتهكت المجال الجوي التركي في محافظة هاتاي.
أسباب دخول الجيش التركي في سورية
- وقف العمليات داعش الإرهابية في تركيا والقضاء على آخر وجود له على الحدود السورية التركية. (انظر إلى التسلسل الزمني لأهم العمليات الإرهابية التي عصفت بتركيا منذ عام 2015)
- إيقاف تمدد حزب الاتحاد الديموقراطي غربي النهر ومنعه من وثل كانتون عرفين ببقية نفوذه إلى شرق النهر.
- استعادة هيبة الجيش التركي بعد فشل انقلاب الخامس عشر من تموز وإلهائه بذات الوقت عن مجريات العملية السياسية التركية.
- تهيئة الظرف الأمني المناسب لإقامة منطقة عازلة في شمال سورية.
- استعادة زمام المبادرة في الملف السوري وانتهاز التقارب مع روسيا في تثبيت قدم تركية في الجغرافيا السورية.
سيناريوهات دخول الجيش التركي في سورية
امتحان للمعارضة السورية
تجد المعارضة السورية بشقيها السياسي والمقاومة الوطنية في ميدان المعركة أمام العديد من التحديات والفرص بعد دخول الجيش التركي شمال البلاد، ويأتي على رأس هذه الفرص:
- تمكينها عسكرياً من طرد تنظيم داعش خارج المناطق التي حررتها قبل 4 أعوام.
- الاستفادة من الغطاء الجوي لسلاح الجو التركي وما ينتج عنه تلقائياً من حظر جوي في مناطق وجود عناصر الجيش التركي.
- الاستفادة من الخبرات العسكرية التركية في قيادة المعارك وتدريب الكوادر العسكرية لدى قوى المقاومة الوطنية.
- استثمار دخول الجيش التركي في تعزيز المطالب المنادية بإقامة منطقة عازلة في الشمال.
- استثمار تلبية الأولوية الأمريكية في محاربة تنظيم داعش لتحسين تموضع المعارضة السورية دولياً.
أمّا على صعيد التحديات:
- خفض الطاقة التعبوية على جبهات حلب والساحل لقوى المقاومة الوطنية.
- إدارة العلاقات البينية مع المكون الكردي في ظل غياب قنوات تواصل فعّالة مع مكوناته السياسية عدا الاتحاد الديموقراطي.
- إدارة المناطق المحررة وإنشاء مجالس الإدارة المحلية وعودة الخدمات الأساسية للمواطنين.
- الحفاظ على الشراكة مع تركيا دون الوقوع في فخ القيام بدور الوكيل المحلي لها.
ويكتمل المشهد السياسي والميداني بتوصل الولايات المتحدة وروسيا إلى إقامة غرفة عمليات مشتركة، ووقف إطلاق نار، وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى المناطق المحاصرة، بالإضافة لإلزام سلاح جو النظام بعدم قصف مواقع القوى المهادنة. وإذ تشمل الصيغة الحالية جميع القوى المقاتلة في سورية باستثناء داعش وجبهة فتح الشام، إلا أن تطوره الطبيعي سيفضي إلى ضم كل القوات الخارجة عنه في المستقبل وعلى رأسها قوى المقاومة الوطنية التي لا تحظى بظهير دولي يحميها من بطش الروس وتهاون الأمريكان.
ملاحظات
- من المبكر جداً الخلوص إلى توصل تركيا وروسيا إلى اتفاق نهائي في سورية، فالهوامش التي يخلقها استمرار وجود داعش في سورية يتيح الفرصة لتركيا في إعادة تموضع نفسها في الملف السوري،
- لا يوجد ما يدفع أنقرة للاتفاق مع دمشق، حيث لا يوجد للنظام ما يقدمه لتركيا في محاربة الاتحاد الديموقراطي، كما أن أي اتفاق بينهما يقتضي استمرار الأسد في الحكم وهو ما يتعارض مع رؤية حكومة العدالة والتنمية لمستقبل جارتها.
- لم يطرأ تغيير جذري على السياسة الخارجية التركية فالتصريح بقبول ببقاء الأسد حتى إنتهاء المرحلة الانتقالية ليس جديداً، وهو بمثابة مجاراة للتوافق الدولي حول القضية.
- لا يوجد خلاف أكبر بين تركيا وروسيا وإيران من مستقبل سورية ولكن لكل منها مصلحة في تهدئة التوتر الحاصل بينها ومناطق التقاء خارج سورية، فلأنقرة وموسكو مصالح اقتصادية مشتركة لا تفترض بالضرورة التوصل إلى تفاهم في سورية لأجل تحقيقها، وكذلك الأمر مع طهران.
- لم تعد ترى تركيا الملف السوري إلا من منظار حل القضية الكردية، إلّا أنه من المبكر على روسيا مقايضتها عليها، خصوصاً مع ورود بند كامل حول عدم التعرض للاتحاد الديموقراطي في الاتفاق الأمريكي الروسي.
- ستقوم تركيا بتقديم بعض التنازلات في سورية كإثبات حسن نية وقد تسبق طهران وموسكو بذلك ولكن دون وجود ضمانات أن تقوم الأخيرتان بتقديم أي تنازلات في المقابل.
- الأولوية الأمريكية في سورية محاربة تنظيم داعش والقاعدة، ولا ترى في دخول الجيش التركي تهديداً لتحقيق هذه الأولوية ما دام ينحصرفي محاربة التنظيم.
- لا يثق أوباما بأهداف تركيا، إلّا أنه غير قادر على الإخلال بعلاقة بلاده بشكل كامل معها، وبالتالي من المتوقع أن يعمد إلى أساليب غير مباشرة في التضييق على أنقرة كدعم الاتحاد الديموقراطي بما يحد من تحركات الجيش التركي في سورية
- لا يوجد توافق كامل ضمن مؤسسات الإدارة الأمريكية حول أهدافها في الملف السوري، وإذ لا يوجد شك حول تغلب رؤية البيت الأبيض على باقي الرؤى، إلّا ان اختلاف وجهات النظر يتيح بعض الفرص لتركيا للتحرك داخل سورية.