لم يلبث أن أعلن النظام عن سيطرته على طريق الكاستيلو حتى أعلنت المقاومة السورية بدء معركة فك الحصار عن حلب بمشاركة طيف واسع من قوات الثورة السورية على رأسها كتائب جيش الفتح وفتح حلب. ولقد شرعت فصائل المقاومة في تنفيذ خطة محكمة لتحرير أجزاء واسعة جنوب المدينة في مقدمتها كلية المدفعية. وبدأت المعركة بسيطرة جيش الفتح على مدرسة الحكمة تلاها انهيار سريع في صفوف القوات الموالية التي لم تكن مستعدة لرد سريع وبهذه القوة بعد فترة قصيرة من "نصر" الكاستيلو. فيما استمر الثوار في التقدم والسيطرة على تلال استراتيجية مكّنتها في المحصلة من السيطرة طريق الراموسة الاستراتيجي وفك الحصار عن الأحياء الشرقية المحررة من المدينة.
حقق نجاح معركة فك الحصار عن حلب هدفين استراتيجيين أولهما السيطرة على كلية المدفعية والآخر السيطرة على طريق الراموسة. أمّا على الصعيد المعنوي فلقد أعاد النصر الذي أحرزته المقاومة الوطنية ثقة الحاضنة الشعبية بالثوار وبقدرتهم على التصدي للتحديات الهامة.
ما بين الحصار وفكه
ما أن أعلن النظام عن حصار حلب الشرقية في الـ 28 من تموز 2016 حتى دعت كل من الأمم المتحدة ومجلسها لحقوق الإنسان وعدد من المنظمات الإنسانية للسماح بوصول المساعدات إلى الإنسانية إلى حلب. فجاء الرد الروسي على شكل منشورات ألقيت على الأحياء المحاصرة تدل المدنيين على ثلاثة ممرات إنسانية آمنة وممر للمقاتلين الراغبين بالاستسلام.
وفي حين أعلن مركز المصالحة في مطار حميميم عن خروج 169 مدنياً و69 مقاتلاً من حلب المحاصرة وتسوية أوضاعهم مع دمشق، أكدّ عدد من المنظمات الحقوقية وعلى رأسها المرصد السوري، خروج العشرات فقط فيما وصف الائتلاف الوطني السوري الممرات بـ "ممرات الموت" مؤكداً عدم ثقته بالروس أو النظام وداعياً اللجنة الدولية للصليب الأحمر ووسائل الإعلام المستقلة بمراقبتها والتأكد من سلامة المدنيين الخارجين من المدينة. وفي المقابل، تبنى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري موقفاً متصالحاً مع الطرح الروسي ومطالباً في ذات الحين تعزيز التعاون العسكري بين موسكو وواشنطن، فيما دعا مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا لوقف إطلاق نار دائم وفوري كي يتمكن المدنيين من الخروج سالمين وآمنين من أحياء حلب الشرقية. وعلى الرغم من النداءات الدولية المتتالية لاحترام قرار مجلس الأمن رقم 2286، استهدفت القوات الجوية للنظام أربعة مرافق طبية من بينها بنك الدم الوحيد في الأحياء المحاصرة، كما استمرت باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً كالقنابل العنقودية والفوسفورية والبراميل المتفجرة ضد المدنيين فيها.
وأمّا على الصعيد الداخلي فلقد أعلن زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني فك ارتباط النصرة بتنظيم القاعدة وتشكيل جماعة جديدة باسم جبهة فتح الشام، فيما أوضح أن هذه الخطوة تسعى لتحقيق خمسة أهداف، هي:
- العمل على إقامة دين الله وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين كل الناس.
- التوحد مع الفصائل المعارضة لرص صفوف المجاهدين ولتحرير أرض الشام والقضاء على النظام وأعوانه.
- حماية الجهاد الشامي والاستمرار فيه واعتماد كافة الوسائل الشرعية المعينة على ذلك.
- السعي لخدمة المسلمين والوقوف على شؤونهم وتخفيف معاناتهم.
- تحقيق الأمن والأمان والاستقرار والحياة الكريمة لعامة الناس.
وإذ أرجع بعض المحللين سبب فك ارتباط جبهة النصرة عن القاعدة إلى استجابتها للضغوط المتشكّلة من الاتفاق الروسي الأمريكي المحتمل حول استهدافها في سورية، إلّا أن المعلومات الواردة من الميدان تشير إلى وجود مسعى قديم ضمن قيادة التنظيم للقيام بذلك، ولقد منع دون حدوثه سابقاً وجود عدد من العوائق الذاتية والموضوعية أهمها:
- جود خلاف ضمن صفوف الجبهة حول شرعية هذه الخطوة، ولقد شهدت الأشهر الأخيرة أفول نجم الشخصيات المتمسكة ببيعة الظواهري.
- الخوف من انشقاق عناصر النصرة والتحاق أعداد كبيرة منها بداعش، ولقد تراجعت خطورة تحقق مثل هذا السيناريو مع انحساره في شمال سورية والمناطق المحاذية لسيطرة الجبهة.
- السعي نحو تحقيق استقلالية مالية للتنظيم وتطوير قدراته الذاتية في تمويل عملياته ومقرّاته، ولقد تحققت بشكل كبير خلال الأشهر الماضية.[i]
وبغض النظر عن الأسباب المباشرة لاختيار هذا التوقيت للإعلان عن فك الارتباط، فإنه من المؤكد استمرار سياسة كل من الولايات المتحدة وروسيا في اعتبار جبهة فتح الشام إرهابية، كما جاء على لسان كل من كيري ولافروف، إلّا أنه من الممكن أن يؤثر هذا الإعلان على أساليب مواجهتها خصوصاً مع الترحيب الذي أبداه عدد من الفعّاليات السياسية والعسكرية السورية.
[i] https://www.hate-speech.org/jabhat-fateh-al-shams-income-and-resources-an-open-source-investigation/
مراحل ومحطات
- 31 تموز 2016
- انطلاقة معركة فك الحصار عن حلب
- السيطرة على مدرسة الحكمة بواسطة سيارتين مفخختين لجبهة فتح الشام ودفع قوات النظام ما وراء خطوط الدفاع الأولى.
- السيطرة على قرية العامرية، الوصول على مشارف مشروع 1070 شقة
- تدخل الطيران الحربي الروسي في محاولة لوقف تقدم المقاومة الوطنية.
- 1 آب 2016
- السيطرة على مشروع 1070 شقة
- صول مؤازرات إلى أكاديمية الأسد العسكرية
- محاولة قطع الطريق بين الحمدانية ومدرسة الحكمة ومحاصرة المقاومة الوطنية في مشروع 1070 شقة
- لسيطرة على شرفة المطلة على الأكاديمية
- هجوم مضاد من القوات الموالية على مخيم حندرات تحت غطاء جوي روسي
- وحدات الحماية الشعبية ترفض الانسحاب من حي بني يزيد وسكن الشباب
- 3.2 آب 2016
- بدء الهجوم على الراموسة بعد تفجير نفقين تحت مقرات النظام والسيطرة على مناشر منيان
- يطرة قوات المقاومة على تلة وقرية الحويز
- 3-4 آب 2016
- معارك كر وفر بين قوات النظام والمقاومة لاحكام السيطرة على أجزاء الراموسة المحررة، والعامرية، ومشروع 1070 شقة.
- اشتراك سلاح الجو الروسي في المعركة بشكل مباشر واستهداف مواقع المقاومة الوطنية في العامرية، والراشدين، وحول أكاديمية الأسد.
- 5 آب 2016
- بدء الهجوم على كلية المدفعية واستهدافها بسيارتين مفخختين
- محاولات مستمرة من النظام للتقدم في مخيم حندرات
- اختراق الجهة الجنوبية من أكاديمية الأسد
- 6.6 آب 2016
- سيطرة قوات المقاومة على مدرسة التسليح وعلى أجزاء كبير من مدرسة المدفعية
- الهجوم على كراجات وفرن الراموسة إلى غرب أكاديمية الأسد وقطع طريق إمداد النظام
- السيطرة على الكلية الفنية الجوية.
- 7 آب 2016
- إعلان الحمدانية ومشروع الـ 3000 شقة منطقة عسكرية
- استهدف الطيران الحربي حي المشهد بالقنابل الفوسفورية، وتعرضت أحياء المرجة والأنصاري والميسر إلى قصف عنيف.
- 8 آب 2016
- تفجير نفق تحت الحسينية في حي الإذاعة في حلب، لما يعتقد أنه مقر لقوات الحرس الثوري الإيراني
- إعفاء رئيس اللجنة الأمنية في حلب اللواء "أديب محمد" من كل مهامه، وتعيين اللواء زيد صالح رئيساً للجنة الأمنية بحلب عوضاً عنه
الأسلحة
عرضت مجريات معركة الراموسة مستوى التسليح الذي وصلت إليه قوى المقاومة الوطنية، ولقد ضمت سلاح المدفعية، والدبابات، أسلحة مضادات الدروع*، بالإضافة إلى استخدام الطائرات بدون طيار لرصد تحركات القوات الموالية قبل الاقتحام، إلّا أن السلاح الأمضى كان المفخخات التي استطاعت احداث دماراً هائلاً في دفاعات النظام كما أنها لعبت دوراً هاماً في المعركة النفسية وتأثيرها على معنويات المقاتلين لدى الطرفين.
ماذا بعد؟
أدّى النصر السريع والخاطف لقوى المقاومة الوطنية إلى رفع سقف التوقعات لدى الحاضنة الشعبية للثورة، كما أنها ألهبت التوقعات والمعنويات لدى المقاتلين، إلّا واقع المعركة والمشهد العسكري الأكبر في المحافظة وخصوصاً ما يحصل إلى الشمال منها ينذر بصعوبة الخيارات المستقبلية وتعددها. فما يلي بعض السيناريوهات الممكنة ومدى فعالياتها ونجاعتها وأثر المردود.
- السيطرة على الأحياء الغربية: قد يبدو مثل هذا التحرك مغرياً خصوصاً لما قد يحققه من نصر معنوي ورمزي لما يحمله معنى السيطرة الكاملة على العاصمة الاقتصادية للبلاد، إلّا أن إدارة الكوادر البشرية وكمية السلاح بالإضافة إلى استمرار حصار المدينة من الشمال، تدفع إلى تقديم أولويات أخرى، وكذلك على الصعيد السياسي فقد يشكل دخول المقاومة الوطنية إلى الأحياء الغربية حجماً كبيراً من الضغط عليها وعلى حلفائها الاقليمين مما يهدد سير المعارك الأخرى على الجبهات المختلفة.
- فتح الطريق نحو باب السلامة: لا يزال شمال المدينة تحت سيطرة القوات الموالية، والتي استطاعت تطويق المنطقة بشكل كامل واضعةً حاجزاً هاماً بين القوات الوطنية في المدينة وريفها الشمال. يقدم كسر الطوق المفروض على المدينة من الشمال وإعادة السيطرة على تلة باشكوي قيمة استراتيجية كبيرة، إلّا طبيعة ميدان المعركة المفتوحة وتموضع قوات الموالية على التلال الاستراتيجية التي تفصل الثوار عن ريف حلب الشمالي قد يعرضهم إلى نيران المدفعية السورية والطيران الروسي.
- تحييد المطارين: يعتبر مطار النيرب القاعدة الجوبة الأولى التي تنطلق منها قوات سلاح جو النظام لضرب أهداف قوات المقاومة الوطنية في المدينة والمحافظة، كما يعتبر مطار حلب الدولي المحطة الرئيسية لوصول الامدادات لقوات النظام وعلى رأسها المقاتلين الأجانب المتطوعين في المليشيات المدعومة من إيران. قد يشكل تحييد المطارين فارقاً على مستوى المعاناة التي يعيشها المدنيين في المدينة، كما أنه سيزيد من تكلفة إرسال الامدادات للقوات الموالية التي ستشطر إلى استخدام الطرق المعبدة والخطيرة، إلّا أن السيطرة عليها لن تنجح في وقف قصف الطائرات الروسية المنطلقة من حميميم، أو المطارات الأخرى.
- السفيرة: تعد السفيرة هدفاً استراتيجياً هاماً، فهي مطلة على طريق إمداد القوات الموالية في حلب من جنوب البلاد، كما أنها تضم مصانع سلاح وأحد خزاناتها، إلّا ان ابتعادها الجغرافي من الجبهة الحالية بالإضافة إلى احتمال فتح جبهة جديدة مع تنظيم داعش قد يدفع المقاومة الوطنية إلى ارجائها الآن والتركيز على أولويات مباشرة قبل الشروع في هذا المشروع.
- الشيخ مقصود ومعضلة التعامل معه: قامت وحدات حماية الشعب التابعة للحزب الاتحاد الديموقراطي بالاشتراك مع قوات النظام في مراحل معركة الكاستيلو الأخيرة، ونجحت في التمركز في السكن الشبابي، وبين زيد. وقد سبقت هذه الأحداث علاقة متوترة مع المقاومة الوطنية تبادلا طرفيها الاتهامات في استهداف المدنيين تارة والعمالة للنظام تارة أخرى. إن إعادة فتح جبهة جديدة مع شيخ مقصود سيؤدي بدون أي أدنى شك إلى خسائر مادية وبشرية هامة، فيما قد تقدم الأحداث المستقبلية ظروفاً مواتية لحل إشكال وجود وحدات حماية الشعب في الحي دون الاحتكام إلى السلاح وما يحمله من تبعات سلبية.
أمّا على صعيد ردة فعل النظام فمن الصعب تخيل قبوله للواقع الجديد، وسيسعى بكل ما أوتي من قوة وفرص في استعادة الراموسة، وقد تكون الاستراتيجية الأنسب للتعامل مع صلفه هو تشتيت تركيزه في فتح جبهات أخرى كالساحل أو حماة.